غزوة بدر

المقدمة 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد؛

فقد ذكر سبحانه وتعالى القصص في القرآن الكريم، ومنها قصص الأنبياء وأقوامهم، وقصص الأولين والسابقين، وأحوالهم، وجعل فيها العبر والعظات، قال تعالى في سورة يوسف آية 111: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾. وكان آخر الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي غطت كتب التفسير والحديث والتاريخ وغيرها سيرته العطرة الممتلئة بالفوائد والدروس والعبر، التي تعتبر منهاجًا متكاملاً تسير عليه الأمم نحو صلاحها وفلاحها في الدنيا والآخرة. الكتابة في موضوع غزوة بدر الكبرى كثير من الدروس والعبر والعظات. 

التمهيد
وهاجر المسلمون إلى المدينة بأنفسهم تاركين ذويهم الأقربين تحت رحمة أعدائهم في خطر داهم مقيم، فابتدأت في المدينة فترة الجهاد الأصفر من حياة سيد القادات وقائد السادات عليه أفضل الصلاة والسلام. فكانت حياته العالية في المدينة من هجرته إليها حتى التحاقه بالرفيق الأعلى جهادا من أجل التوحيد. وفي غزوة البدر التقى الظلام بالنور والكفر بالإيمان والباطل بالحق والتقت الجاهلية بالإسلام، فجاء الحق وزهق الباطل، فإن الباطل كان زهوقا. 



الفصل الأول: أحوال المسلمين قبل معركة بدر
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون في مكة ضعافا تلاحقهم الفئة الظالمة من قريش، وتعذبهم لتردهم عن دينهم – إن استطاعت – فأمر الله عز وجل رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنون بالصبر على ذلك العذاب والظلم وكف أيديهم، إذ ام تكن لديهم القوة الكافية للرد على عدوان وظلم قريش. قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فترة حياته المباركة في مكة المكرمة من بعثته رحمة للعالمين إلى هجرته إلى المدينة المنورة في الجهاد الأكبر لوضع الأسس السليمة لدولة الأسلام موحدا من أجل الجهاد. وفي هذه الفترة لاقى المسلمون أذى كثيرا، طوردوا وعذبوا، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.

كانت الفترة التي تلت هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى معركة بدر، حوالي تسعة عشر شهرا هي النشاط العسكري، وفي أثناء هذه الفترة لم يحدث أي عراك دامي بين مكة والمدينة، اللهم إلا ما حدث في السرية التي قادها عبد الله بن جحش، والتي تلتها معركة بدر مباشرة. لقد كانت الظروف التي هاجر فيها الرسول هي ظروفا حربية، أوجدها زعماء مكة أنفسهم، عندما أهدروا دمه، وخفروا ذمته. إنها الحرب ولا شيء سواها. 

فحقيقة أن يعمل كل من الفريقين أي مكة والمدينة عسكريا وسياسيا واقتصاديا ضد الآخر، فاستعمال السلاح وإضاف شوكة العدو بأية وسيلة من الوسائل، هو الأمور البديهية التي لا تقبل النقاش أو الجدل. فمعركة بدر هذه التي خاضها المسلمون ضد المشركين إنما هي معركة عادلة، أملتها على المسلمين طبيعة الظروف العسكرية القائمة بينهم وبين أعدائهم.

الفصل الثاني: ما تحدث قبل معركة بدر
غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة وقعت في صبيحة يوم الإثنين السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة (الموافق 13 مارس 624م) بين المسلمين بقيادة الرسول محمد ﷺ، وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي. بدأت المعركة بمحاولة المسلمين اعتراضَ عيرٍ لقريشٍ متوجهةٍ من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولاً إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، فاستجابت قريشٌ وخرجت لقتال المسلمين. وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة أسفل وادي الصفراء – بينه وبين الجار – وهو ساحل البحر ليلة، ويقال أنه ينسب إلى إسم شخص. وتُسمى أيضاً بـغزوة بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان.

الفصل الثالث: سبب المعركة
بعد الإذن بالجهاد في العهد المدني، بلغ المسلمون تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالاً عظيمة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، صخر بن حرب. فلما وصل مكاناً يُسمى "ذا العشيرة" وجد العير قد فاتته بأيام. فلما اقترب رجوع العير من الشام إلى مكة، بعث الرسول محمدٌ طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى الشَّمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصلا إلى منطقة تسمى الحوراء، ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بن حرب بالعير، فأسرعا إلى المدينة وأخبرا الرسول محمداً بالخبر. وقد كانت هذه العير قافلةً تجاريةً كبيرةً قادمةً من الشام تحمل أموالاً عظيمةً لقريش.

لقد أرسل الرسول محمدٌ بَسْبَس بن عمرو ليقوم بجمع المعلومات عن القافلة، فلما عاد بسبس بالخبر اليقين، ندب الرسول محمدٌ أصحابه للخروج وقال لهم: "... هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ..."، ولكن الرسول محمداً لم يعزم على أحد بالخروج، لأنه لم يكن يتوقع عند هذا الخروج أنه خارج للقتال في معركة مع قريش، ولذلك تخلَّف كثير من الصحابة في المدينة، ولم يُنكِر على أحد تخلفه في هذه الغزوة، ومن المؤكد أنه حين خرج الرسول محمد من المدينة لم يكن في نيته قتال، وإنما كان قصده عيرَ قريشٍ التي كانت فيها أموالٌ كان جزءٌ منها للمهاجرين المسلمين من أهل مكة، وقد استولت عليها قريش ظلمًا وعدوانًا.  وأراد النّبيّ عليه السلّام أن يقطع على قريش طرُق قوافلهم التّجارية مع بلاد الشام حتّى يُضعفهم ماديّاً. 

ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، وإصرار قريش على قتاله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه عامة، وقصد الأنصار خاصة فتكلم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، والمقداد بن عمرو من المهاجرين، فقالوا وأحسنوا، وفهم سعد بن رضي الله عنه عنه مراد النبي صلى الله عليه وسلم فقال وأحسن فسر النبي صلى الله عليه وسلم بقول سعد بن معاذ رضي الله عنه. خرج الرسول محمد في اليوم السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة في مئة وخمسين أو مئتين من المهاجرين لاعتراض عير لقريش وكان يحرسها بين ثلاثين وأربعين رجلاً فقط، فقرّر الرسول عليه السّلام أن يخرج إلى القافلة ويُسيطر عليها ليردّ على قريش التي سلبتهم أموالهم وصادرتها لهم في مكّة. وقد خرج من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، منهم من الأنصار بضع وأربعين ومائتين، ولم يكن معهم إلا فرسان، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها. وصل المسلمون إلى بدر قبل المشركين، وأشار الحبُاَبُ بن المنذر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ماء بدر خلفه، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورته وأخذ برأيه.

وصلت أخبارٌ لأبي سفيان عن خروج المُسلمين لاعتراض قافلته، فأرسل إلى قريش يستنجدهم، ورأت قريش أنّها فرصة لإبادة المسلمين. فسلك بها طريق الساحل، وأرسل لاستنفار أهل مكة، فاستعدت قريش للخروج دفاعًا عن قافلتها، وحشدت كل طاقتها، ولم يتخلف منهم إلا القليل، فقد رأت قريش في ذلك حطًا لمكانتها، وامتهانًا لكرامتها، وضربًا لاقتصادها، وبلغ عددهم نحوًا من ألف مقاتل، ومعهم مائتا فرس يقودونها. ظهرت الخلافات في جيش المشركين بعد نجاة القافلة بين مريد للعودة دون قتال المسلمين حتى لا تكثر الثارات بين الطرفين، وبين مصر على القتال كأبي جهل، وقد غلب رأي أبي جهل أخيرًا، ولم يعد هدف قريش نجاة القافلة، بل تأديب المسلمين، وتأمين طرق التجارة، وإعلام العرب بقوة قريش وهيبتها.

الفصل الرابع: الشبهة الواردة على الغزوة
ان مدار تلك الشبهة على جهاد – وغزوة بدر على الخصوص – تدور حول المنكرين للاستنكار على الإسلام كيف ينطلق لتحرير الإنسان من عبودية الناس إلى العبودية لرب الناس مع أنها أهم أهداف وأكبر غايته. ان الإنسان عبد الله فكل نظام يقف في وجه تحقيق هذه العبودية يحاربه الإسلام ويقضي عليه. ولذا هم فسروا أن جروج الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى بدر نوعا من قطع الطريق وإخافة السبيل، وهكذا فهموا أو ظنوا. ومن سوء الخط أن تلك التهمة وجدت مرتعا خصبا بين صفوفنا، إذ انطلق الأذناب والتلاميذ يرددونها في كل مؤلف ومدرسة ومكان.

أن هذه الشبهة التي أطلقها المنكرون والمستشرقون ويطلقها على تلك الروح التي تحدث عنها الاستاذ السباعي (رحمه الله) أنهم لم فهموا أمورا حقيقا عن طبيعة القتال في الإسلام. فقد ظنوها حربا من تلك الحروب أبادوا فيها شعوبا لكي يحصلوا على خيرات بلادها وليوسعوا نفوذهم على حسابها. أما الجهاد أو الحرب أو القتال في الإسلام يختلفو إختلافا كبيرا عن ما عرفوه من الحروب الأخرى، ما جاءها إلا لنشر العقيدة ولإنزال تلك الطواغيت التي تقف بين الناس وبين هدى الله المنزل على رسوله. ما يبرز خوضهم للمعركة بدر وأي معركة فهم منتدبون لمهمة إنسانية كبيرة لا يعود خيرها عليهم وحدهم، إنما يعود على الجبهة المؤمنة كلها بل على العالم أجمع، وفيها ضمان لحرية العقيدة وحرية العباد في جميع أقطار الأرض.

ان القتال لم يشرع في الإسلام ولم يقم به محمد وأصحابه لهذه الغاية البدوية التي يتوهم المستشرقون أنه شرع من أجلها. أنه شرع من أجل أمة تحيا وعقيدة تنتصر وشريعة تطبق. ثم أن خروج النبي للقاء قافلة قريش في بدر كان الغرض منه أيضا إنزال ضربة اقصادية كبيرة بقريش فلو وقعت تلك الافلة في أيدي المسلمين لكان فيها ضعف لقريش وقوة للمسلمين.
 
الفصل الخامس: أعظم غزوات الإسلام فضلاً وشرفًا
أولاً: لأنها أول غزوة كان لها أثرها في إظهار قوة الإسلام، فكانت بدءَ الطريق ونقطة الانطلاق في انتشار الإسلام.

وثانيا: رسمت الخط الفاصل بين الحق والباطـل، فكانـت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعا ماديا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيم الجاهلية، فالتقى الابن مقاتلاً لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه.

وثالثًا: المحرك لها هو الإيمان باالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلت صور رائعـة مـن الإيمان باالله وصفاء العقيدة وحب هذا الدين.

ورابعًا: ليست كتابا يقرأ ولا محاضرة تقال، بدر ينبغي على المسلم أن يعيشها وهي حجة على كل مسلم على ظهر الأرض، أنَّ النصر منه قريب لو آمن باالله حقًا، وأنه لا يهودية ولا نصرانية ولا شيوعية، كل هؤلاء عندما يعتصم المـسلمون بـاالله يصبحون هباء ويصبحون هواء، ونفخة واحدة لا تبقـي منـهم أحدا، حين أقبل أهل بدر على المولى- تبارك وتعالى- وصـدقوا وتجردوا وأخلصوا وطرحوا الدنيا وراءهم، ووضعوا في أنفـسهم أمرا واحدا؛ أن تكون كلمة االله هي العليا وما عـداها الـسفلى.

خامسا: لقد نزل في معركة بدر آيات من كتاب الله الكريم كما قال الله تعالى في سورة آل عمران آية 123 حتى 127: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۝ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ ۝ بَلَىٰٓ ۚ إِن تَصْبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءَالَـٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ ۗ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ۝ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا۟ خَآئِبِينَ ۝

الخاتمة
الأمة اليوم بحاجة ماسة إلى أن تعود إلى المنهج النبوي والسيرة النبوية لأخذ الدروس والعبر النيرات المباركات، وتتعلمو منها الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعقائد السليمة، والعبادة الصحيحة، وسمو الأخلاق، وطهارة القلب وحب الجهاد في سبيل الله وطلب الشهادة في سبيله. ولهذا قال الزهري: "في علم المغازي علم الآخرة والدنيا".
 
المراجع
  1. أحمد محمد العليمي باوزير. 1980. مرويات غزوه بدر. الطبعة الأولى. المدينة المنورة: مكتبة طيبة. أنظر رابط المادة.
  2. أمير بن محمد المدري. غزوة بدر الكبري دروس وعبر. سلسلة غزوات النبي المصطفى دروس وعبر(١(. الطبعة الأول. أنظر رابط المادة.
  3. سليم بن عيد الهلالي. 1996. غزوة بدر الكبرى. الطبعة الأولى. الرياض: دار ابن الجوزي. أنظر رابط المادة.
  4. محمد أحمد باشميل. 1974. غزوة بدر الكبرى. الطبعة السادسة. دار الفكر. أنظر رابط المادة.
  5. محمد بن أحمد باشميل. 2006. موسوعة الغزوات الكبرى - (10) غزوة بدر الكبرى. الطبعة الثالثة. الرياض: دار الفضيلة. أنظر رابط المادة.
  6. مصطفى السباعي (الدكتور). 1985. السيرة النبوية دروس وعبر. الطبعة الثامنة. بيروت: المكتب الإسلامي. أنظر رابط المادة.

Hidup perlu bersyukur..

Bandar Baru Bangi,
26 Rejab 1443H.

Comments