المقدمة
من فوائد دراسة السيرة النبوية هي إنَّ دراسة السيرة النبوية العطرة تعد غذاء للقلوب، وبهجة للنفوس، وسعادة ولذة وقرة عين، بل إنها جزء من دين الله سبحانه وتعالى وعبادة يتقرب بها إلى الله؛ لأن حياة نبينا الكريم (صلوات الله وسلامه عليه) حياة بذل وعطاء وصبر ومصابرة وجد واجتهاد ودأب في تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى والدعوة إلى دينه عز وجل. وفي دراسة السيرة فوائد عظيمة جداً ومنافع متعددة أذكِّر بشيء منها شحذًا للهمم للصبر والمواصلة والعناية بدراسة سيرة نبينا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فمن هذه الفوائد أولا - أن نبينا صلى
الله عليه وسلم أسوة للعالمين وقدوة لهم في العقيدة والعبادة والأخلاق عونا لفهم
الدين كله أما عقيدةً وعبادةً وخُلقاً؛ ثانيا - أن سيرة النبي عليه الصلاة
والسلام وهديه القويم يُعَدُّ ميزانا توزن في ضوءه الأعمال، فما كان منها موافقاً
لهديه وسلوكه عليه الصلاة والسلام فهو المقبول، وما كان منها ليس موافقاً لهديه
عليه الصلاة والسلام ولسلوكه فهو المردود؛ ثالثا - في دراسة سيرة النبي
الكريم عليه الصلاة والسلام عون على فهم كتاب الله عز وجل، لأن حياته عليه الصلاة
والسلام كلها تطبيق للقرآن وعمل به؛ رابعا - أن في دراسة سيرته عليه الصلاة
والسلام تعميقا لمحبته الرسول صلى الله عليه وسلم؛ خامسا - أنها باب من
أبواب زيادة الإيمان وتقويته، أي شمائله وسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم تعدُّ
منهج حياة لكلِّ مسلم يرجو لنفسه الخير والرفعة والحياة الكريمة في الدنيا والآخرة.
التمهيد
أن دراسة السيرة النبوية من أهم الشعائر التي تبصر كيف حياة المسلمين عاما عن علاقاتهم في تأثير لبناء المجتع المثالي في يومنا هذا. ومن أهم تلك الشعائر ما هي الأسس حتى جعلتها العوامل المهم في بناء المجتمع الإسلامي عند عهد النبوي. المجتمع الإسلامي هو المجتمع القائم على أساس الإسلام، بأفكاره ونُظُمه وسلوكه وأعرافه. ومن المعروف أنّ لكلِّ مجتمع من المجتمعات اُسسه ومقوّماته وصفاته العامّة التي تميِّزه عن بقية المجتمعات، لذا فإنّ المجتمع الإسلامي هو مجتمع متميِّز عن المجتمع غير الإسلامي. وقد ثبّت القرآن الكريم والسنّة النبويّة أسس هذا المجتمع الإسلامي، وحددا الروابط والعلائق والصفات العامّة لهذا المجتمع النموذجي للحياة البشريّة المستقرة. ولقد بنى رسول الله (ص) المجتمع الإسلاميّ النموذجيّ في المدينة المنورة، وطبّق المبادئ الإسلامية تطبيقاً عملياً.
فلقد كان تعامل الصحابة
مع الرسول؛ كقائد للأمة الإسلامية دينا وأخلاقا وسياسـيا وإقتصاديا، بـصورة جعلتهم
في مقدمة الأمم الأخرى. وكذلك تعامل أصحاب النبي معهم سنة الرسول قولا وفعلا
وتقريرا. وهذا بحث يتنـاول بعض المواقف
التي يمكن أن نستخلص منها الدروس التي تكشف الأسس والعوامل في بناء مجتمع الإسلامي
السلمي والسلامة. ينقسم هذا البحث إلى كيف أخطط وأقسم هذه المناقشات إلى مواضيع
أصغر ومحددة. تتضمن فيها المبحث والأساس والعملية التي ترشد إلى الفهم وتأمل.
المبحث الأول: مدينة المنورة
هي هديا نبويا وتوفيقا إليها
فإن النبي صلى الله عليه
وسلم أقام دولة المدينة على أسس ومناهج وحدوية لم يقلد فيها أحداً، بل كانت هدياً
نبوياً وتوفيقاً إلهياً لا يأتيه الباطل. وذلك لتكون دولة المدينة هي الدولة
الأنموذج بالنسبة للمسلمين وللعالمين التي يجب أن تُحتذى في تنظيمها وبنائها
وأهدافها، لاسيما أن هدفها علوي، يسعى لنشر نور الهداية الربانية في جميع أصقاع
الأرض، وذلك لينتشل الإنسانية من الأرجاس والرذائل التي لحقت بها، ويوصلها إلى
مكارم الأخلاق وعالم الفضيلة. ولكي تقوم دولة المدينة بهذه المهمة العظيمة سعى
النبي صلى الله عليه وسلم لبناء دولة نموذجية في كل شيء لتصبح سنة جارية في
التاريخ. كما قال أحمد الحصري في كتاب الدولة وسياسة الحكم في الفقه الإسلامي؛ قواعد
كلية ومبادئ عامة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، وافية بحاجات البشر على طول
الزمن وتعدد الحاجات والمطالب، تحقق فيها العدل والمساواة بين البشرية وتعاون الإنسانية
على الخير.
أنّ قيام الدولة المسلمة التي أسّسها رسول الله (صلّى
الله عليه وسلّم) لم يكن ليتمّ لولا العناية الربانيّة والتوفيق الإلهيّ، إلّا أنّ
ثمّة أسباباً دنيويّةً، ومراحل للبناء مرّ خلالها النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)
وأصحابه (رضي الله عنهم) إلى أن أقاموا دولةً قويّةً، لم يسجل التاريخ لمجدها
وعزّها مثيلاً، وفيما يأتي بيانٌ لمراحل قيام الدولة في عهد النبيّ عليه الصّلاة
والسّلام.
المبحث الثاني: الأسس بناء
مجتمع في مدينة المنورة
إن في هجرة النبي المصطفي
(صلى الله عليه وسلم) منهجاً ودستوراً فريداً لبناء المدينة الفاضلة التي تقوم على
الإيمان والعدل والتي تبنى على التضحية والفداء. هذه المدينة ليست مدينة سقراط ولا
أرسطو ولكن مدينة حبيب الله ورسوله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، مدينة تجسدت
فيها القيم والأخلاق و المثل في أشخاص رباهم النبي صلى الله عليه وسلم. هجرة النبي لترسيخ المبادئ التي قامت عليها خير أمة أخرجت
للناس وليتعلم الناس جميعا على كيف ظهر هذه الأرض حكاما ومحكومين، امما وشعوبا، أفرادا
وجماعات بالمناسبة تقوم الأمة وتبني الدول وعلى أى أسس تنهض الدولة الإسلامية.
العملية الأول: الأساس الداخلي
أنّ رسول الله (صلّى
الله عليه وسلّم) حقّق نجاحاً منقطع النظير في التأسيس الداخلي للمجتمع وبناء مدينة
المنورة، والدليل على ذلك؛ ما حقّقته هذه النخبة من الرجال في خدمة الإسلام
والمسلمين خلال حياة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وبعد وفاته.
الأساس الأول: أساس العقيدة
إن أول أساس تؤسس عليه المدينة الفاضلة التي
أسسها محمد صلى الله عليه وسلم هو أساس القوة والصلابة، إنه أساس تزول الجبال
الرواسي ولا يزول، إنه أساس العقيدة التي تمنح صاحبها قوة وصلابة ومحبة للأخرين.
إنه الأساس الذي بدونه تنهار الأمم و تنهار الحضارات، أنه الأساس الذي تبنى عليه
الأمجاد وتعز به الأمم والشعوب. ركّز رسول الله (صلّى الله
عليه وسلّم) خلال دعوته في مكّة على بناء الأساس والنواة؛ وهم الأشخاص الذين قامت
الدولة فيما بعد على اكتافهم، حيث بدأت الدعوة في مكّة لمدّة ثلاثة عشر سنواتٍ. العقيدة
التي هي أول دعوة للرسل كما قال الله تعالى في سورة الأنبياء آية 25 ﴿ وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾.
الأساس الثاني: أساس التضحية
أساس التضحية هي الحب وجوب الفداء، فأي أمة لا
تضحي ولا يضحي أبناؤها أمة هباء لا مجد ولا تاريخ وإنما هم رعاع. ولقد ظهرت تضحية
أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) واضحة جلية في مواقفهم وفي انشراح صدروهم لتك
التضحيات؛ بالنفس وبالزوجة والولد وبالمال. تضحية بالنفس كما فعل على (رضي الله
عنه) في ليلة الهجرة وكيف بذل نفسه فداء لنبيه ولدينه وهو يعرف خطورة الإقدام على
المبيت في فراش وفي تضحية أبو بكر الصديق في غار ثور. تضحية بالزوجة والولد كما قال ابن هشام فكان أول من
هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو سلمة بن عبد الأسد
المخزومي، قالت زوجته: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. فقال رجل من بني عمي لبني
المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وولدها؟! أما تضحية بالمال كما قال أسماء تحدث عن
أبيها أبي بكر رضي الله عنه، قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج
أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله، وكان خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق به
معه.
الأساس الثالث: أساس الصلة
بالله
ما يركّز رسول الله هو
ترسيخ العقيدة في قلوب أصحابه، وتذكيرهم بأحوال الأمم السابقة، وعاقبة الكافرين والمؤمنين
في كلّ أمّةٍ، وأمرهم بالتزام العبادات التي ترتقي بإيمانهم: كقراءة القرآن الكريم
وقيام الليل، وبشّرهم بمستقبلٍ مشرقٍ لأمّة الإسلام فيه النصر، والمجد، والتمكين،
وكان ذلك بهدف إعدادهم للمرحلة التي تليها أي بناء الدولة.
الأساس الرابع: العلاقة
بـين الراعـي والرعية
حرص الراعي على سلامة الرعية، حرصه على وحدة اجتمع، طرح بعـض أمـور الدولة للشورى، التعامل برفق مع الرعية، الرفق والعمل على نشر العدل بينهم. ففي بيعة العقبة الأول كان إخلاص الصحابة في بيعتهم للرسول بالتعهد بحمل الدعوة إلى االله تعالى، والتعهد بالصبر على ما قد يلحق من أذى نتيجة لذلك. ومن هذه البيعة أن من بين حقوق الراعي على رعيته هي تحمل المسؤولية في الدعوة إلى االله سبحانه وتعالى، والعمل على رفعة هـذا الـدين ونـشره في المعمـورة ، ومساعدته في تحقيق ذلك بالتصدي للأفكار الهدامة التي تسعى لإثارة الفتن في اجتمـع؛ وبخاصة الأمور الدينية التي تخرج من رحمها زعزعة وفُرقة في أمور الدنيا، وتعمل في النهاية على ضعف الدولة في الداخل والخارج.
أما البيعة الثانية أي
بيعة الرضوان فيها ظهر إخلاص الصحابة في التعهد للنبي بالطاعة في ساحة
القتـال، والصبر على ما يلحقهم من ضراء وبأساء، والشهادة في سبيل االله. ونستخلص منها حق الراعي على رعيته في الطاعة في
أمر الجهاد والقتال في سـبيل االله، فإنِ اعتدى أحد على دولته، ونادى في أمته
بالجهاد؛ كان واجباً عليهم أن يـسارعوا بتلبية النداء وعدم التخلي عنه، فنصرته
واجبة.
العملية الثاني: الأساس الرئيسي
الأساس الأول: بناء المسجد
شرع
النبي صلى الله عليه وسلم منذ وصوله المدينة ببناء المسجد في المكان الذي بركت فيه
ناقته. وعَمِلَ النبي صلى الله عليه وسلم في بنائه ليُرغّب المسلمين في العمل فيه
من المهاجرين والأنصار. إن إقامة المساجد من أهم الركائز في بناء المجتمع
الإسلامي، لأن المجتمع المسلم إنما يكتسب صفة الرسوخ والتماسك بالتزام نظام
الإسلام وعقيدته وآدابه، وإنما ينبع ذلك من روح المسجد ووحيه. قال تعالى في سورة التوبة آية 108 ﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا
لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ
فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ﴾ .
نقلا
من كتاب تاريخ دولة الإسلام الأولى في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)
والخلفاء الراشدين: "... أو بمثل هذه البساطة تم بناء المسجد النبوي، وبروح
التعاون الأخوي والعمل الجماعي رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أركان هذا المسجد
الذي صار موئلاً لأعظم رجال عرفتهم الإنسانية، والذي خرّج أرحم القادة وأشجعهم،
وأعظم الأبطال وأفضلهم، وأعظم الخلفاء وأرأفهم ..." ووضع من خلال بناء المسجد
أرقى الأسس وأقواها في كيفية صناعة الأمة وتوحيدها دينيناً ودنيوياً. ولإدراك
أهمية الخطوة الأولى التي قام الرسول صلى الله عليه وسلم ومدى أثرها في بناء الأمة
الإسلامية والحرص على وحدة تكوينها وأهدافها وغاياتها لابد من الوقوف على الوظيفة
التي أرادها الرسول صلى الله عليه وسلم.
الهدف الأول: توحيد مجتمع مدينة المنورة دينيناً
فقد
جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) المسجد الذي بناه فيه الهدف العالي، أي مركزاً
للعبادة والتعليم والتوجيه والإرشاد والتفقه في الدين، وذلك بتبليغ الوحي وتوضيحه
للمسلمين في خطب الجمعة ومجالس العلم وفي كل فرصة تسنح له. ولهذا أصبح المسجد
النبوي النبع الدافق الذي يغذي القلوب والأرواح بعبادة الله عز وجل من صلاة وذكر
وقراءة قرآن، ويغذي العقول المؤمنة بالعلم والمعرفة الشاملة التي تزيدهم من الله
قرباً، وتجعلهم أقدر الناس وأحرصهم على حمل الأمانة ونشر تعاليم الإسلام في المكان
الذي يحلون فيه. وكان الصحابة يحرصون أشدّ الحرص على الصلاة مع الجماعة، حتى إنّ
الرجل منهم لا يستطيع المشي فيهادى بين رجلين حتى يأتون به المسجد، وكانوا يعتبرون
المتخلف عن المسجد منافقاً معلوم النفاق. ولم يكن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يعذر أحداً بالتخلف عن المسجد.
الهدف الثاني : توحيد مجتمع مدينة المنورة دنيوياً
جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) المسجد مركزاً لإدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وهو أشبه ما يكون بدار الحكومة، إذ في المسجد كان النبي صلى لله عليه وسلم يجتمع بالمسلمين أثناء صلاتهم وذكرهم لله تعالى للتشاور والتفاهم والدراسة والتخطيط للدعوة وتدبير شؤون المسلمين. وأيضا مركزاً للقيادة العسكرية، حيث كانت تنطلق منه ألوية الجهاد بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بمن ينيبه عنه، وبه كانت تستقبل قوافل النصر والاستشهاد في سبيل الله.
وكذلك كان المسجد النبوي يعمل: الأول- بيت مال المسلمين حيث كان يجمع النبي صلى الله عليه وسلم الصدقات والأموال فيه ويوزعها على مستحقيها، والثاني- مركزاً للقضاء إذ كان يفصل فيه بين المتخاصمين بما أنزله الله عليه، والثالث- مركزاً لتعليم المسلمين أمور دينهم وتدارسها معهم، كم كانوا يسمعون آيات القرآن الكريم كما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، والرابع- مكاناً لعلاج المرضى والجرحى في أيام الحرب بخاصة، والخامس- مكاناً مخصصاً لإيواء الضعفاء والمساكين الذين لا سكن لهم من أهل الصفة، وأصبح كل من يحتاج مالاً أو طعاماً أو مساعدة ما يلتقي بأهل الخير في باحة المسجد لسد حاجاته الحياتية.
وهذا يدل على أهمّيّة المسجد ومكانته في الإسلام، وأصبح
المسلمون كلّما بنوا مدينةً أو مصراً أول ما يبدأون بالمسجد ثم يبنون بيوتهم حوله.
والمسجد له مكانة عظمى ودور كبير في حياة الأمّة المسلمة فاستخدم المسجد في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم لأكثر من غرض.
الأساس الثاني: المؤاخاة بين
المهاجرين والأنصار
إنّ أبرز الأُسس التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي أي على سبيل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وجعل منهم إخوة في الله وأصبحوا متعاونين علي البر والتقوى. إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) آخى بين المهاجرين والأنصار فكانت هذه الآصرة أقوى من آصرة القبيلة والنسب حتّى وصل بهم الحال إلى التوارث بينهم التي ثبّتها القرآن الكريم والسنّة النبويّة. وقد ضرب الأنصار أروع المثل في إكرام إخوانهم المهاجرين بل في إيثارهم على أنفسهم. ما طبّقها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مجتمع المدينة المنورة هي:
الأول- احترام شخصيّة الإنسان وتكريمه، قال تعالى في سورة الإسراء آية 70: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا﴾
والثاني- إنّ الروابط التي تربط أفراد المجتمع الإسلامي، هي الروابط العقيدية، وما يتفرَّع عنها من نظام وعواطف... إلخ وهي روابط الأخوّة في الله والولاء بين المؤمنين. قال الله تعالى في سورة الحجرات آية 10: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، وقال الله تعالى في سورة التوبة آية 71: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
والثالث- المساواة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وعدم التفريق بينهم بسبب الجنس أو اللّغة أو اللون أو الثروة أو السلطة. قال الله تعالى في سورة النساء آية 1: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾.
والرابع-
إنّ مقياس التفاضل في المجتمع الإسلامي هو العلم والتقوى ولكلّ مجتمع وجماعة مقياس
للتفاضل بين الناس. فبعض المجتمعات تعتبر النّسب أو القومية أو اللون أو السلطة أو
الطبقة الاجتماعية أو المال سبباً للاحترام والتفاضل بين الناس، أمّا الإسلام فقد
اعتبر العلم والعمل الصالح هما مقياس التفاضل والتكريم. لذلك قال الله تعالى في
سورة المجادلة آية 11: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾،
وقاله عز وجل أيضا في سورة الحجرات آية 13: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
الأساس الثالث: معاهدات
وصحيفة المدينة
ابتدأت مرحلة تاريخية للمجتمع العربي جديدة هي المرحلة المدنية، فقد بدأ معها المسلمون في تأسيس أوّل "دولة مدنيّة" لهم في تاريخهم. لم يكن سبب هجرة الرسول وصحابته إلى المدينة، بل كانت عبارة عن إعلان على بداية تأسيس ضوابط سياسية وأخلاقية لبناء "مجتمع جديد" تكون السلطة فيه بيد المسلمين في بلد آمن. بُنيتْ عليها هذه الصّحيفة مقاصدها، هي تأسيس تقاليد جديدة في طرائق التّعامل بين النّاس، وبثّ روح القيم الإنسانية، وتعود أسباب أزمة أمتنا في المقام الأول إلى ّدولها ونظمها السياسية على وجه التحديد.
المعاهدة التي عاهد فيها بين المسلمين وبين غيرهم من اليهود ومن المشركين شرط لهم وشرط عليهم، وتعد هذه المعاهدة أول وثيقة لحقوق الإنسان عرفتها البشرية قبل أن يتشدق وينادى من ينادى بحقوق الإنسان ولم يحقق من حقوق الإنسان شيئا بينما حققها ووثقها الرسول المصطفي (صلى الله عليه وسلم) قبل أربعة عشر قرنا حتي تعرف البشرية علي مر عصورها بأن الإسلام لا يظلم أحدا. لا يظلم في الإسلام مسلما ولا مشركا ولا يهوديا لأنه جاء دينا للناس قاطبة ينشر العدل والرحمة.
جعلت
المعاهدة أيضا الأساس للتعايش السلمي مع المخالف لأنها تفحم بعض الذين يتشدقون بأن
في الإسلام عصبية أو أن فيه عنصرية فكانت أسس الهجرة تحمل أوضح الدلائل على تسامح
الإسلام. هذه صحيفة المدينة تتكون فيها قيمة أوّل
"دستور" في تاريخ الدولة الإسلامية، وهي عبارة عن "عقد"
قانوني أو "نص دستوري"،
قيم "مدنيّة الدولة والمواطنة"، فيها "مدنيّة" الدولة
الإسلاميّة، وتأسيس قيم "المواطنة".
العملية الثالث: الأساسيات
التالية
وينبغي أن يكون واضحاً لدينا أنّ العمل الصالح لا يعني
العبادة وحدها، بل يُقصَد بالعمل الصالح أيضاً؛ كلُّ عمل يخدم المجتمع خدمة
خيِّرة، وينفع الناس، كنشر العلم، ومكافحة الفقر، وإنشاء مشاريع البرِّ والإحسان،
ومحاربة الفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي.
الأساس الأول: التنشئة الأخلاقية
إنّ المجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي يتميَّز باحترام
الأخلاق الفاضلة، والتمسُّك بها، كالعطف والرحمة، واحترام الصغير للكبير، وإلقاء
التحية، وحسن الجوار، وصلة الرحم، والتعاون على البرِّ والتقوى واستنكار الظلم
والقسوة والعدوان:
أولا- إنّ المجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي يتميَّز
باحترام الأخلاق الفاضلة، والتمسُّك بها، كالعطف والرحمة، واحترام الصغير للكبير،
وإلقاء التحية، وحسن الجوار، وصلة الرحم، والتعاون على البرِّ والتقوى واستنكار
الظلم والقسوة والعدوان.
ثانيا- إنّ المجتمع الإسلامي مجتمع تعاوني، تكون الحياة
فيه حياة تعاونيّة في مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإصلاحية. قال
تعالى في سورة المائدة آية 2: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا
تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
ثالثا- التوازن في الحقوق والواجبات بين الفرد والجماعة:
لقد وازن الإسلام بين حقوق الفرد والجماعة، فللفرد في المجتمع الإسلامي مصالحه
وحقوقه التي يجب على المجتمع أن يوفِّرها، ويحفظها له، كحقِّ الضمان والكفاية
المعاشية عند العجز، واحترام شخصيّته، والدفاع عن حقوقه ومصالحه، والتمتع بحرياته
الفرديّة في حدود احترام حقوق الآخرين وحرِّياتهم.
الأساس الثاني: مدرسة وحلقة
للتعليم أمور الحياة اليومية
فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يعلم الناس وكانوا
يجلسون إليه في المسجد فيتعلمون منه أصول الدين وفروعه، وكان الواحد منهم إذا شغله
شاغل عن حضور المسجد ذلك اليوم أوصى غيره يأتيه بما يتعلّمه من رسول الله (صلى
الله عليه وسلم). استفيد من المسجد في الأمور التالية:
الأول- إيواء
الضعفاء والفقراء والعزّاب
الثاني- إنشاد
الشعر في نصر الدعوة
الثالث- مكان
لاعتقال الأسرى حتى يشاهدوا المسلمين فيتأثروا بهم
الرابع- مكان
لعلاج المرضى (مثل خيمة رفيدة لمعالجة سعد بن معاذ)
الخامس- استقبال
الرسل والسفراء
السادس- عقد ألوية
الجهاد
السابع- لقاء
المسلمين بأميرهم وقائدهم.
الأساس الثالث: الجيش والجهاد في سبيل الله
وقد حاول الإسلام الاستفادة
من حب القتال عند العرب وتدريبهم العسكري وعمل على تنظيمها واستخدامها لإعلاء كلمة
هللا وتعزيز الدولة وحماية المجتمع. فقد تغيرت طبيعة الحرب لدى العرب في الإسلام،
فلم تعد غزوا للأخرين بغاية الغنيمة والكسب، كما لم تهدف إلى توسيع الملك وتضخيم
السلطان والاستزادة من الثروة والمال. الحقيقة، إنماحربا لخدمة الإسلام وفي مصلحته
الدفاع معتنقيه وتأمين حرية انتشاره وسعيا لتطبيق شريعة الله. وقد أصبحت الحروب الإسلامية
جزءا من السياسة العامة للدولة وتتأثر بطابعها حيث السيادة الله والسلطة للرسول
الذي يجب طاعته وتنفيذ أوامره.
الأساس
الرابع: اعتبار الأسرة هي القاعدة الأساس في البناء الاجتماعي
تعتبر
الأسرة مؤسّسة اجتماعيّة مقدّسة في نظر الإسلام، يرتبط أفرادها بروابط الزوجية
والقربى. وقد وضّح الإسلام الأُسس الكفيلة ببناء الأُسرة، وتحديد الروابط بين
الزوج والزوجة والأبناء والآباء، ليعيش الفرد سعيداً في أُسرته، والأسرة في نظر
الإسلام هي الأساس في المجتمع، فالمجتمع الإسلاميّ يتكون من مجموعة من الأُسر التي
تربطها روابط القربى والجوار والعقيدة والمصالح الاجتماعيّة.
الخاتمة
إنّ مقياس التفاضل في المجتمع الإسلامي هو العلم والتقوى، والمجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي يتميَّز باحترام الأخلاق الفاضلة، والتمسُّك بها. إنّ المجتمع الإسلامي مجتمع تعاوني، تكون الحياة فيه حياة تعاونيّة في مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإصلاحية كما قال الله تعالى في سورة المائدة آية 2: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
إن شعار الدولة الرسمي بحاكمية الله وسيادة الشرع، وسقوط الطواغيت وقوانينهم وأنظمتهم وشرائعهم، يشير هذا البحث إلى أن لا قيام للصلاة، ولا إقامة لها كما ينبغي إلا في ظل دولة تقوم عليها وتقوم بها ولها، فقد كان المسلمون يصلون خفية في شعاب مكة قبل قيام دولتهم، أما وقد قامت تحت سيوف الأنصار، فليجهروا بالأذان والإقامة، وليركعوا ويسجدوا لله رب العالمين. إن الواقع التاريخي خير شاهد على أن الله لا يُعبد في الأرض حق عبادته، إلا في ظل دولة قوية تحمي رعاياها من أعداء الدين.
المراجعة
1-
الأسس
التي قامت عليها دولة المدينة المنورة. رابط الموضوع.
2-
أهم
دعائم الدولة الإسلامية في المدينة. رابط الموضوع.
3-
أسس
بناء المجتمع في المدينة.
رابط الموضوع.
4-
أسس
بناء المدينة الفاضلة من خلال الهجرة النبوية. رابط
الموضوع.
5-
الدكتور
أحمد عمر هاشم يوضح أسس بناء الدولة الإسلامية بعد الهجرة. رابط الموضوع.
6-
أسس
بناء المجتمع المسلم في العهد النبوي. رابط الموضوع.
7-
أسس
الدولة اإلسالمية في المدينة المنـــورة. رابط
الموضوع.
8-
مراحل
قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول. رابط الموضوع.
9-
"صحيفة
المدينة" وأبعادها "المواطنيّة": دراسة سوسيو ـ تاريخيّة للدين
الإسلامي. رابط الموضوع.
10-
الهجرة
إلى المجتمع المدني. رابط الموضوع.
11-
كيف
بنى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية؟ رابط
المادة.
12-
المجتمع
الإسلامي والأسس التي يقوم عليها. رابط الموضوع.
13-
أعمال
الرسول في المدينة. رابط الموضوع.
14-
الاسس
التي قام عليها بناء المجتمع الاسلامي في المدينة المنورة. رابط الموضوع.
15-
من
فوائد دراسة السيرة النبوية. رابط الموضوع.
16-
الفرق
بين المقدمة والتمهيد. رابط الموضوع.
Comments