المقدمة
أن هذا البحث ستبين عن مفاهيم مقارن بين
القانون الشرعي والقانون الوضعي في ضوء مقاصد أو أهداف أو فلسفة في العقوبات. الإسلام
هو الدين السموي الحق من عند الله عز وجل وهو فقط الدين الذي يرضه الله به من جميع
الأديان التي ينتشرون كثيرا على هذه الأرض.
الأديان في
الأسس ينقسم إلى القسمين وهما السماوي أو الثقفي. الأديان السماوي هي نزل من
السماء من عند الله إلى الأنبياء والمرسلين قبل نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه
وسلم كنبي موسى ويوسف وهارون وعيسى ولكن أمتهم يحالفون ويكذبون ما يدعي رسلهم حتى
يولدوا الدين الذي يشرك الله تعالى بصفات عجز ونقص ولم يستقبل بالعقل الصحة أي دين
اليهود يغضب الله عليهم والنصارى يضال الله عليهم.
وعلى سبب حولهم
وكذبهم على دينهم حتى يومنا هذا هم لم يستطيع ليتطبق دينهم جميعا أم في مشكلات
الأسرة والمناكحة، المعاملة والسياسة، العقيدة والتربية، القانون والقضاء وغير ذلك
حتى لم يظهر لنا المقاصد والحِكم الحقيقية منهم ويوصل لنا أن الإسلام هو الحل من
جميع المسائل والمشكلات بطريق التشريع كما
قال الشيخ سيد عبد الله علي حسين في كتابه "للمسلمين وحكامهم أن يرجعوا إلى
دينهم القويم ويحكموا به ويتحاكموا إليه".
أصول التشريع السماوي والإسلامي
أن الله تعالى يرسل الأنبياء والمرسلين
لكل الأمة ليرشد أمتهم إلى صراطه المستقيم وهو الإسلام لو اختلف شريعاتهم في كل
رسل والأمة في زمن مخصوصة، ويعطي الله تعالى الكتاب والصحف إلى الرسل معين الهدى
والرشاد من الأحكام والأخلاق والموعظة الترهيب والترغيب، القرآن الكريم لأمة محمد
صلى الله عليه وسلم والإنجيل لأمة عيسى والتوراة لأمة موسى والزبور لأمة داود
صلوات الله وسلامه أجمعين. وفي كل الرسل وأمتهم لهم الكتاب والصحف خصوصا ومختلف في
الشريعة نزل بحسب الوقائع والمناسبات زمنهم فقط ولكن لا يختلف في أصل العقيدة أي
يأمرهم بتوحيد الله تعالى ولم يشركه بشيء أخر من مخلوقاته. الحقيقة كل الأمة التي
يعطي الله تعالى الكتاب، هم يبدلون ويحاولون ويكذبون حتى لا يمكن أن نقبل شريعتهم
في يومنا هذا من الإنجيل والتوراة والزبور.
وأصول التشريع
الإسلامي ومأخوذه هي القرآن والسنة والإجماع والقياس. الأول: القرآن الكريم هو الكتاب
الذي أنزله الله على سيدنا المصطفى الخاتم الأنبياء والمرسلين الشافع المشفع محمد
بن عبد الله بن عبد المطلب، هو نبي الله ورسوله فحفظ القرآن الكريم والله يحفظه في
صدره، وأقرأه للصحابة فحفظوه، ودّون بين دفتين، ويحفطه المسلمون ويتدارسونه
ويتناقلونه جيلاً بعد جيل، وطبقة بعد طبقة ألى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما
قال الله تعالى: " إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (سورة الحجر الآية 9).
أن القرآن نزل
منجما حسب الوقائع والمناسبات، وحسب ما هو مرتب في علم الله فوُجدت فيه أحكام
تغيرت من إباحة مطلقة إلى إباحة بقيد إلى منع إطلاقا كحكم شرب الخمر. كل تشريع
حكيم يأتي تدريجيا، فيكون فيه ناسخ ومنسوخ، ومطلق ومقيد، وعام وخاص، فلا يمكن لكل
شخص أن يستنبط الأحكام الصحيحة من القرآن الكريم إلا إذا استوفى الشروط الآتية
فيكون مجتهدا. والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اجتهد، والأصح أن
الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم وقع.
الثاني: السنة
النبوية المطهرة وهي كل ما يصدر على النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال
وتقريرات. وكل خبر يحتمل الصدق والكذب في حد ذاته كما خبر الأرحاب من اليهود
والنصارى، ولكن خبر الله عز وجل وبعض المنسوب إلى سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه
وسلم، والمتواتر معنى أو لفظا، وهو خبر جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب عن
محسوس، كل هذا مقطوع بصدقه. ولأجل قبول السنة كأصل من أصول التشريع الإسلامي يجب
صحة وسلامة وكمال الراوي في الأدب والأخلاق والتدين، فلا تُقبل رواية مجنون أو
كافر أو من مرتكب الكبائر والصغائر حتى والرذائل المباحة ولا من مرتكب كل ما يبطل
العدالة وأصبح مستحيلا إدخال أحاديث موضوعة وهي متفق الجمهور عن الرسول في أي
ناحية.
الثالث: الإجماع
من أصول التشريع الإسلامي، فهو من الأدلة الشرعية على ما يقرر من الأحكام، وهو
اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في زمن على أي أمر
شرعي، والإجماع خاص بالمجتهدين، فلا يتجاوزهم لغيرهم، فهم أدرى بمأخذ الدليل الذي
يستند إليه الإجماع، ولا بد من اتفاق رأي الكل فتنقضه مخالفة واحد.
الرابع: القياس
من أصول التشريع الإسلامي، وهو من الأدلة الشرعية عاى ما ينتج من أحكام، وهو حمل
معلوم في حكمه لمساواته في علة حكمه، وهو حجة في الأمور الدنيوية اتفاقا، وفي
غيرها خلاف. والصحيح أنه حجة إلا في الأمور العادية والخلقية، وإلا في كل الأحكام،
وإلا على منسوخ. والقياس من أصول الفقه وهو فرض كفاية على مجتهدين وفرض عين على من
احتاج إليه منهم، وأركان القياس وشروطه محلها علم الأصول، فمن أرادها فليرجع إليها
في كتب الأصول.
أن أحكام
الشريعة قسمان أي أحكام أصلية وآخر أحكام تأييدية. أحكام أصلية هي نزلت لبيان
الحقوق والواجبات، وتنظيم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بنفسه وعلاقة الإنسان
بأخيه الإنسان. أما أحكام تأييدية هي وضعت لحماية الأحكام الأصلية وضمان تطبيقها
وحسن تنفيذها والالتزام بها.
أصول التشريع الوضعي
ما تكلّمنا في الأول أن التشريع يقسم إلى
قسمين السماوي والوضعي. أن التشريع الوضعي نشأ في قارة أوربا، وانتشر فيها القانون
الروماني أو غيرها وإن كان عُمل به في مستعمرات روما. من حق الباحث القانوني،
التشريع الوضعي أن يعرف مأخذ القانون حتى يتذوق التشريع على أساسه، فيتمكن من
الرجوع إلى أصل ما أشكل عليه من النصوص القانونية، فيفهم روح التشريع من نفس
القانون. مثل بهذا القسم أن القانون المدني الفرنسي أخذ من عدة أصول تشريعية أي
القانون الروماني والقانون الجرماني (وترفع عنه قانون العوائد) والقانون الكنائسي
وقانون الملكية المطلقة وقانون الثورة التي قررت حقوق الإنسان، الحرية والإخاء
والمساواة. هذا التشريع الوضعي أو قانون وضعي مرادفا بقانون مرسوم أي قد تصدر
السلطة التنفيذية أمرا فيه قواعد عامة مستديمة، ويكون له قوة القانون، وذلك عند
تعطيل السلطة التشريعية، فتباشر السلطة التنفيذية السلطة التشريعية أيضا.
فالقانون الروماني هو مجموع الأسس والقواعد التي كان معمولا بها في الوطن الروماني والمستعمرات منذ تأسيس مدينة (روما) سنة 753 قبل الميلاد إلى سنة 565 بعد الميلاد ووفاة جوستنيان. وقد دخل القانون الروماني إلى فرنسا حين غزاها الرومان، ودخلوها فاتحين سنة 50 قبل الميلاد إلى سقوط المملكة الغربية سنة 476 بعد الميلاد، ولم يكن فصل السلطات موجودا كاليوم، بل كان الحاكم المدني يجمع بين يديه، بحكم وظيفته، السلطة القضائية مدنيا وجنائيا والسلطة الإدارية. ثم سقطت الإمبراطورية الغربية في سنة 476 م، وجاء حكم فرنك إلى سنة 986م مدة تنظيم الإقطاعيات، ودخل القانون الجرماني مع هذا الفتح، وبقي معمولا به إلى سنة 986م، ثم جاء دور الإقطاعيات في فرنسا.
وأما قانون
العوائد كان موجودا في جنوب فرنسا، ولكنه كان معمولا به محترما نافذا، وكان مدونا
مكتوبا في الشمال، وبقيت العوائد معمولا بها حتى جمعت في كود نابليون سنة 1804 م
وأصبح نافذا. فيكون القانون الفرنسي المدني ولد ونشأ في أوربا حتى أثمر وانتشر
فيها، وفرض على غيره من المستعمرات، بل واستعارته ممالك أخرى.
قانون العوائد
فهو ما كان الحكم فيه للعرف والعادة كأحكام المحلفين في فرنسا. مثل هذا فهم من عامة
الشعب لا يعرفون قانونا ولا نظما قانونية، فيسمعون الاتهام والدفاع، ثم يسألهم
القاضي "هل هذا المتهم مذنب أم لا؟" فيجيبونه بما يقضي به العرف
والعادة، فإن كان في نظرهم مذنبا فهو مذنب، وإلا فلا. فيطلق القاضي سراحه متى
أجابوا بأنه غير مذنب – ولو كان فاعلا معترفا – لأن العرف يعطيه الحق فيما فعل.
فيمكن أن يقال إن العرف والعادة هو ما تعارف الناس عليه فيما بينهم أنه
يحقق العدالة أولا ومن هذه التشريع الوضعية هي أن أصوله كانت قوانين، وعوائد محلية
أو إقليمية. يحققها من غير نكير أو اعتراض من أحد ولو لم يكن الحكم مدونا في قانون
أو لائحة، فالعرف والعادة قد يكونان من أسس التشريع الوضعي، بل ومن أسس التشريع
الإسلامي بلا نزاع إذا لم يخالفا كتابا أو سنة أو إجماع أو قياسا فصحيحا. القانون
العادي وهو ما يسنه أولو الأمر أو من يملك ذلك لتنظيم ناحية اجتماعية للأمة،
كقانون ربط ضريبة الأطيان عن الفدان كذا في مديرية كذا، أو تنظيم إدارة البلاد
والقرى وتخصيص القضاء والإدارة، ويمكن أعادة النظر فيها بما يوافق المصلحة بشرط
عدم مخالفة أصول الدين ويدخل فيه القانون النظامي. فقيها قانونيا معاصرا هو
الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الصيفي حيث يذكر عن القانون الروماني الذي هو أرقى
النظم القانونية في ذلك الوقت (من الأول إلى القرن التاسع عشر)، بل هو مصدر لغالب
التشريعات الأروبية المعاصرة.
صفات القانون
أن المراد بالقانون الإسلامي هو مجموعة
أحكام تطبق على الحوادث كالسارق تقطع يده والزاني يجلد أو يرجم والقذف يجلد. فإذا
جمعت مثل هذه الأحكام بشروط تطبيقها في كتاب واحد سميت قانونا، ولهذا سمّي القرآن
قانونا سماويا لجمعه أحكاما لا حصر لها، وهي قواعد عامة مستديمة/ لو يخص بها أشخاص
دون آخرين، ولم تكن مؤقتة. وقد اجتمع فيه الأمران، صدوره عن السلطة التشريعية
واحتواؤه على قواعد عامة، وهكذا يقال فيما أخذ عن السنة والإجماع والقياس من
الأحكام.
من
القوانين الإسلامي ما هي حتمية حقيقة، ولا يمكن لأحد الخروج عليها ولا الاتفاق على
ما يخالفها كتحريم الربا والزنى واللواط والميسر، فلا يمكن لأحد التعاقد على
مخالفة ذلك، ولا يقتصر المنع على عدم الصحة والبطلان أصالة، بل لو اعتقد
المتعاقدان أو أحداهما حل ذلك كفر، وخرج عن الدين. والقوانين المبيحة فهي التي في
نصوصها اجتهاد، وليس النص فيها قطعيا في الدلالة على نفس الحكم، فيجوز مخالفتها
بما لا يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا، وذلك كمواضع اختلاف المجتهدين. والقواعد
العامة في التشريع الإسلامي تقضي ببطلان نفس العمل الذي لم يستوف شروط صحته
القانونية كعقد النكاح على ذات زوج.
أما
القانون بمرسوم فتجب طاعته واعتباره واجب النفاذ ما دام صادرا عمن يملك إصداره
شرعا إلا إذا حرم حلالا أو حلل حراما مجمعا عليه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" لأن طاعة أولى الأمر واجبة لقوله
تعالى: " يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ" (سورة النساء الآية 59). ولا خلاف بين التشريع السماوي
والوضعي في كنه القانون ولا ما يجب أن يكون عليه.
مفهومي الجريمة والعقوبة
بالنسبة لمفهوم الجريمة، فقد عرفها الإمام الماوردي الجرائم بأنها "محظورات شرعية، زجر الله عنها بعقوبة هي الحد أو التعزير" والجريمة والجناية مترادفان عند بعض الفقهاء، فالجناية لغة اسم لما يجنيه المرء من شر وما يكتسبه. والجريمة اصطلاحا هي اسم لفعل محرم شرعا سواء وقع الفعل على نفس أو مال أو غير ذلك. وأكثر الفقهاء أطلق لفظ الجناية على الأفعال الواقعة على نفس الإنسان أو أطرافه وهي القتل والجرح والضرب والإجهاض،والقطع، والتشويه، . والإعاقة وبعضهم أطلقها على جرائم الحدود والقصاص.
القانون الجنائي أو العقوبات في الأصالة
اذا نبحث عن
القانون لا بد أن نعرف على طبيعة
كل من النظم ومصادرهم والعوامل الإجتماعية التي أسهمت في تنوينهم ويلزم البحث عن
الإختلاف عوامل أخلاقية أو إعتقادية أو فنية أو قانونية. وعلى صحة أن التشريع
الوضعي مأخوذ من التشريع السماوي أصالة، ولكن كراهة الإسلام في ذاته ومطاردته
أينما كان هي التي أوحت يالغاء تشريعه.
والقوانين الجنائية أو العقوبة هي التي يحكم فيها في الإعتداء على النفس أو
على جزء منها، فالتشريع الإسلامي نظر في الجنح والجنايات إلى حقيقة الأشياء بلا
مماراة أو تموية، وحكم عليها حكما صحيحا لمصلحة البشر لأنه تنزيل من
حكيم حميد. أننا المعلوم عن الحقيقة خلق البشر، انه مركب من طبائع تقتضي القهر
والغلبة والسيطرة والإفساد في الأرض، وشهوة جامحة لا ترى حدّا تقف عنده، وهذا
المبدأ اتفق عليه البشر إلا من شذ كما مصداق لقوله الله سبحانه تعالى: "وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (سورة
البقرة الآية 30).
أهداف أو مقاصد
العقوبات الجنائي في الإسلام هي داعية ألى تقويض دعائم الأمن والطمأنينة ومعيشة
لكل حياة المخلوقات خصوصا الإنسان وحفظ النظام العالمية. إن التشريع الإسلامي حي
حياة إلهية ولو لم يرق في نظر عموم فلست أكثر حولا ولا طولا ممن محموه من بلاد
الإسلام، وأدخلوا قوانينهم، وحكموا بها، وألزموها المسلمين قهرا وبلا ذنب إلا
احتلالهم. ولم ينكر أن العقوبات التشريعي بصفة الإلاهية والربانية لا بد يجب على
المؤمنين والمسلمين في جميع بقاع الأرض الإيمان بها لإيمانا عميقا، والتمسك بها
تمسقا جهدا ، والتطبيق ما يأمر بها بفهما جيدا. من لم يحكم بما أنزل الله من
القوانين الشرعية، يصف الله تعالى بصفات
الظالم والفاسق والكافر، كما قال الله تعالى: "وَمَن لَّمْ يَحْكُم
بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (سورة المائدة الآية
45) وقوله تعالى: "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ" (سورة المائدة الآية 47)، قوله تعالى أيضا: "وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (سورة
المائدة الآية 44).
هذه العقوبات
والقوانين ليس يحكم في ضوء تصرفات الإنسان فقط، ولكن أغلب منها متعلقا مباشرة
بالتوحيد أو العقيدة أي الإيمان بالله عز وجل. الحكم على الحاكم وعلى المحكوم
الرضا والقبول، لأن الإسلام ليس عقيدة التوحيد فقط بل هو عقيدة وعمل، قال الله
تعالى: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، قُلْ
أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ" (سورة آل عمران الآية 31-32) ، ويقول الله تعالى شأنه تأكيدا:
"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (سورة النساء الآية 65).
كانت
القوانين الوضعية حتى أواخر القرن الثامن عشر تنظر إلى المجرم نظرة تقيض عنفا،وغاية
في القسوة والوحشية، وكان أساس العقوبات المبالغة في الإرهاب والإنتقام والتشهير،
وكان من العقوبات المقررة المعترف بها قانونا الحرق والصلب وتقطيع الأوصال وصلم
الآذان وقطع الشفاه واللسان والوشم باداة محماة في النار ولبس أطواق من الحديد
والنفى والجلد والحبس. ولم تكن العقوبات في الغالب تتناسب مع أهمية الجرائم التي
قررت لها، فبالغم من قسوة بعض العقوبات التي ذكرناها وفظاعة بعضها كانت عقوبة
الإعدام جراء لكثير من الجرائم البسيطة. وفي الفكر الفلسفي، لم يعتمد الفكر
الجنائي عند غير المسلمين على شريعة معصومة ولذلك كان كثير التعثر والتغير والأخذ
والرد والتطور المستمر حسب الظروف الحضارية والسياسية والإجتماعية والبيئية.
وكان
الأساس الذي تقوم عليه العقوبة هو الإنتقام من المجرم وإرهاب غيره، وفكرة الإنتقام
والإرهاب هي التي سوغت تقرير العقوبة القاسية، وهي التي سوغت التمثيل بالمجرم وتشويه
جسمه، بل هي التي سوغت محاكمة الأموات والحيوانات والجماد، ولكن لن تردعه عن الفعل
الذي حوكم من أجله لأن لا يعقل شيئا من المحاكم ولا يفهم سبب العقوبة، ولكنه تؤدى
إلى إرهاب الناس أيما إرهاب وتمثل فكرة الإنتقام خير تمثيل. وتمتاز العقوبة
الوضعية والإسلامية أنها الوضعية تهمل شخصية المجرم وتنظر إلى الجريمة ومقدار
جسامتها وأثرها على المجتمع، ولذلك لو تؤدى إلى حل مشكلة العقاب حلا يحسن السكوت
عليه.
العقوبات بين الشرعية والوضعية
العقوبة جزاء وضعه الشارع للردع عن
ارتكاب ما نهي عنه وترك ما أمر به أو العقوبة هي الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على
عصيان أمر الشارع ومقصوده هو الإصلاح حال البشر، وحمايتهم من المفاسد، واستنقاذهم
من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصى، وبعثهم على الطاعة. أما
التعريف القانوني للعقوبة من عرف أغلب علماء القانون الجنائي العقوبة في العصر
الحديث بأنها الجزاء الذي يوقع على مرتكب الجريمة لمصلحة المجتمع. وأصول هذا
التعريف القانوني يعود إلى المدارس الجنائية القديمة والحديثة حيث لم يخرج عنها
رغم الخلاف الشديد بينهما.
وقد صيغت فلسفة
العقوبة في الفكر الوضعي في شكل أهداف صنفت إلى صنفين، أحدهما الأهداف المعنوي
والآخر الأهداف المادي أو النفعي، وفيما يلي عرض موجز لفلسفة العقوبة وأهدافها في
القانون الوضعي حسب هذين الصنفين. الأول الأهداف المعنوية للعقوبة هي يقصد شراح
القانون بالأهداف أو الأغراض المعنوي للعقوبة، ما ترجع به العقوبة من نفع معنوي
على أنفس أعضاء الجماعة أو المجتمع، فالأهداف المعنوية هي تلك التي لا ظهور لها
ماديا، وإنما ظهورها هو في إرضاء الشعور العام لدى المجتمع. وأما الأهداف النفعية
هي يقصد بنفعية العقوبة ما لها من أثر ملموس على الصعيد الإجتماعي، والحقيقية أن
مفهوم النفعية يشمل المادي والمعنوي معا، وهو ذاته مفهوم جلب المصلحة ودرء المفسدة
في الشريعة الإسلامية. والفرق أن مفهوم المنفعة في التشريع الوضعي أساسه ما يحكم
العقل بمنفعته، بينما في الشريعة فالأساس عقلي وشرعي معا، مع خلاف في تغليب هذا أو
ذاك.
والله لم يرسل
رسوله للناس ليسيطر عليهم أو ليكون عليهم جبارا، إنما أرسله رحمة للعالمين وذلك
قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (سورة
الأنبياء الآية 107). فالله أنزل شريعته للناس وبعث رسوله فيهم لتعليم الناس
وإرشادهم، وقد فرض العقاب على مخالفة أمره لحمل الناس على ما يكرهون ما دام أنه
يححق مصالحهم ولصرفهم عما يشتهون ما دام أنهم يؤدى لفسادهم، فالعقاب مقرر لإصلاح
الأفراد ولحماية الجماعة وصيانة نظامها.
فقد وجب أن تقوم
العقوبة على أصول تحقق هذا الغرض لتؤدى العقوبة وظيفتهاكما ينبغى، والأصول المحققة
للغرض من العقوبة هي:
1-
أن تكون العقوبة
بحيث تمنع الكافة عن الجريمة قبل وقوعها، فإذا ما وقعت الجريمة كانت العقوبة بحيث
تؤدب الجانى على جنايته وتزجر غيره عن التشبه به وسلوك طريقه
2-
إن حد العقوبة
هو حاجة الجماعة ومصلحتها، فإذا اقتضت مصلحة الجماعة التشديد شددت العقوبة، وإذا
اقتضت مصلحة الجماعة التخفيف خففت العقوبة فلا يصح أن تزيد العقوبة أو تقل عن حاجة
الجماعة.
3-
إذا اقتضت حماية
الجماعة من شر المجرم استئصاله من الجماعة أو حبس شره عنها وجب أن تكون العقوبة هي
قتل المجرم أو حبسه عن الجماعة حتى يموت ما لم يتب أو ينصلح حاله.
4-
إن كل عقوبة
تؤدى لصلاح الأفراد وحماية الجماعة هي عقوبة مشروعة فلا ينبغى الإقتصار على عقوبات
معينة دون غيرها.
5-
إن تأديب المجرم
ليس معناه الإنتقام منه، وإنما استصلاحه. والعقوبات على اختلاف أنواعها تتفق كما
يقول بعض الفقهاء في أنها "تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف
الذنب"، والعقوبات "إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن
رحمة الخلق وإدارة الإحسان إليهم، ولهذا يتبغى لمن يعاقب الناس على ذنوبهن أن يقصد
بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب
معالجة المريض".
مثل
ذلك في عقوبة الزنا أي تختلف جريمة الزنا في الشريعة الإسلامية عنها في الوانين
الوضعية. فالشريعة الإسلامية تعتبر كل وطء محرم زنا وتعاقب عليه سواء حدث من متزوج
أو غير متزوج، أما القوانين الوضعية فلا تعتبر كل وطء محرم زنا، وأغلبها يعاقب
بصفة خاصة على الزنا الحاصل من الزوجين فقط، ولا تعتبر ما عدا ذلك زنا وإنما
تعتبره وقاعا أو هتك عرض.
أساس
عقوبة الزنا في الشريعة الإسلامية باعتباره ماسا بكيان الجماعة وسلامتها، إذ أنه
اعتداء شديد على نظام الأسرة، والأسرة هي الأساس الذي تقوم عليه الجماعة، ولأن في
إباحة الزنا إشاعة للفاحشة وهذا يؤدى إلى هدم الأسرة ثم إلى فساد المجتمع
وانحلاله، والشريعة تحرص أشد الحرص على بقاء الجماعة متماسكة قوية.
أما
العقوبة في القوانين الوضعية فأساسها أن الزنا من الأمور الشخصية التي تمس علاقات
الأفراد ولا تمس صوالح الجماعة، فلا معنى للعقوبة عليه ما دام عن تراض، إلا إذا
كان أحد الطرفين زوجا ففي هذه الحالة يعاقب على الفعل صيانة لحرمة الزوجية.
المراجعة
عبد القادر عوده، التشريع الجنائي الإسلامى مقارنا
بالقانون الوضعى (____)، الجزء الأول والثاني، بيروت: دار الكاتب العربى.
سيد عبد الله علي حسين، المقارنات التشريعية بين
القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب
الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، (2001م) الطبعة الأولى، مجلد الأول، القاهرة:
دار السلام.
د. محمد بن المدني بوساق، اتجاهات السيسة الجنائية
المعاصرة والشريعة الإسلامية (2002م/1423ه)، الرياض: مركز الدراسات والبحوث
أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.
الأستاذ الدكتور علي محمد حسنين حمّاد، مقاصد العقوبات
في الشريعة الإسلامية، محاضرة مقدمة للحلقة العلمية الخاصة ( تدارس الحكام الشرعية
) لعدد من رجال القضاء السوداني بمقر الجامعة في الفترة من 11/5/1427-7ه الموافق
7/6/2006-3م، جامعة نايف العربية للعلوم المنية كلية التدريب.
أ.د. عزوز علي، مقاصد العقوبة في الشريعة الإسلامية، نظر
في المجلة الأكاديمية للدراسات الإجتماعية والإنسانية العدد 7 – 2011، جاممعة
الاجزائر، ص 42-29.
بحث لنيل شهادة الماجستير في العلوم الإسلامية ( فرع :
أصول الفقه ) من إعداد الطالب: بن عقون الشريف تحت إشراف: الأستاذ الدكتور كمال
بوزيدي، تحت الموضوع "غاية العقوبة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي"،
سنة المناقشة : 1425 ه 2005 م.
الدكتور محمد الزحيلي، النظريات الفقهية (1993م/1414ه)
الطبعة الأول، بيروت: الدار الشاميه ودمشق: دار القلم.
عبد المجيد قاسم عبد المجيد، فلسفة العقوبة في الشريعة
الإسلامية والقانون الوضعي عرض وموازنة، مجلة الإسلام في آسي المجلد 9، العدد 1،
يونيو 2012م.
Hidup dalam mencari..
Kota Damansara,
18 Rabi' al-Awwal 1439H.
Comments